البدر المنير في علم التعبير

البدر المنير في علم التعبير - المقدمة

قال الشيخ، الإمام، العالم، العامل، الصدر، الكبير الكامل، الفاضل البارع، الحافظ المتقن، حجة المحققين، ولسان المتكلمين، قدوة السالكين، بقية السلف الصالح: شهاب الدين أبو العباس أحمد بن شيخ الإسلام جمال الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن عبد المنعم بن نعمة بن سلطان بن سرور المقدسي الجعفري، قدس الله روحه، ونور ضريحه.

الحمد لله حق حمده، وصلواته على خير خلقه؛ محمد وآله وصحبه. حمدًا وصلاة ينجيان كل عبد من عذاب ربه.

وبعد: فإنه ندبني جماعة إلى جمع مقدمة في علم المنام فأجبتهم إلى ذلك، ولقبتها بـ البدر المنير في علم التعبير، وجعلتها بلغة للمبتدئ، وبلاغًا للمنتهي، ينتفع بها المتعلمون، ويرتفع بها المعلمون، جعل الله ذلك خالصًا لوجهه الكريم، وأنقذنا بفضله من عذابه الأليم.

اعلم – وفقنا الله وإياك – أن معرفة التأويل تحتاج أولًا إلى معرفة حقيقة النوم؛ ما هو؟! ثم معرفة تفسير ما يُرى في المنام. وقد ذكرت ذلك أولًا، ثم بدأت بذكر الله تعالى، والملائكة، والأنبياء عليهم السلام، ثم ذكرت السماوات والأرض، ومن فيهن، ثم كذلك؛ حتى أتيت إلى الجنة والنار، وما يدلان عليه. وقد ذكرت – قبل أبواب المقدمة – أربعة عشر فصلًا. ولم أترك شيئًا – من القواعد الشاملة لهذا العلم مما قاله العلماء؛ أو رُزقت الاجتهاد فيه – إلا ذكرته، على اختلاف الملل والأديان، والأعصار والبلدان.

وجعلت الأبواب خمسة عشر بابًا وهي:

الباب الأول:

في رؤية الباري جل وعلا، والملائكة، والأنبياء عليهم السلام، والصديقين، والصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين.

الباب الثاني:

في رؤية السماء، وما فيها، وما ينزل منها، وما يطلع إليها.

الباب الثالث:

في الأرض، وأشجارها، وجبالها، وسهلها ووعرها، وما يتعلق بها.

الباب الرابع:

في الأرض، وأشجارها، وجبالها، وسهلها ووعرها، وما يتعلق بها.

الباب الخامس:

في مياه الأرض.

الباب السادس:

في الحيوانات.

الباب السابع:

في الأنعام والذبائح.

الباب الثامن:

في الأبنية وما يتصرف منها.

الباب التاسع:

في الملابس.

الباب العاشر:

في الصنائع والصناع.

الباب الحادي عشر:

في الأدوات المستعملة.

الباب الثاني عشر:

في رؤية بني آدم.

الباب الثالث عشر:

في أعضاء ابن آدم، وما يحدث منه.

الباب الرابع عشر:

في الموت والنزاع.

الباب الخامس عشر:

في الساعة وأشراطها.

قال المصنف رحمه الله

لما أن كان الملك – في اليقظة – بين يديه أعوان؛ يتصرفون بأمره في وقت حضوره، ولم يقدروا على الوقوف دائمًا بلا أخذ راحة – ولا يليق أن يتصرفوا لأخذ الراحة وهو جالس؛ ربما حدث حادث في وقت غيبتهم، أفضى إلى الفساد – فحجب نفسه فاستراح، واستراحت الأعوان، وجعل في وقت غيبته حرسًا على الأبواب؛ لئلا يحدث حادث في وقت غيبتهم، وما يمكن للحرس أن يتراقبوا مواضعهم؛ ويطلعوه على الحادث، خوفًا من حدوث حادث في وقت غيبتهم، فجعل عليهم من يسمع منهم ما يقولوه. والآخر ما يمكنه الغيبة لئلا يطلبوه وقت غيبته لحادث آخر فما يجدوه فما يفيد – فاحتاج إلى خبير موصل؛ يوصل ذلك إلى الملك إذا جلس، فإذا انتهى إليه مثلًا؛ أن جماعة بالمكان الفلاني سرقوا؛ وفلان قام قاتلهم ودفع شرهم، نظر الملك رأيه فيهم، فيأمر بقتل بعضهم، أو قطعه، أو صلبه، أو سجنه، ونحو ذلك. ويأمر بإكرام المدافع لهم على ما يليق به من الكرامة.

ولما كانت الروح المدبر في البدن؛ كالملك في البلد، وبين يديه أعوان: السمع، والبصر، والنطق، واليدان، والرجلان – وليس لهم طاقة السهر دائمًا – لأنه يقل السمع والبصر والنطق – فأرسل الله تعالى النوم راحة لأولئك كما ذكرنا. وأقام الأنفس الثلاثة – كما في اليقظة – للملك. فإذا استيقظ الروح المدبر؛ أملى عليه المنام؛

“أني رأيت كأنني آكل حلوًا من إناء مليح”

  • فيقول له الروح المدبر:
    • “هو للمريض بالحرارة رديء”، لكون ذلك لا يوافق مرضه.
    • ويقول للصحيح:
      • إذا كان ملكًا: ملك بلدًا كبيرًا.
      • ولمن دونه: سيتولى مكانًا مليحًا.
      • ولطالب العلوم: تبلغ مرادك منها.
      • وللعازب: ستتزوج امرأة حسناء.
      • ونحو ذلك.
    • وإن كانت الحلاوة ردية، فعكس ذلك.

الفصل الأول: في هيئة المنام

في هيئة المنام

اعلم أن النوم رحمة من الله على عبده؛ ليستريح به بدنه عند تعبه، لأن الله عز وجل علم عجز الروح عن القيام بتدبير البدن دائمًا.

  • ما هو النوم؟
    • هو: أبخرة تحيط بالروح المدبر للبدن، فتحجبه عن التدبير.
    • يمكن تشبيهه بالملك الذي يحجب نفسه عن تدبير مملكته ليستريح وتستريح أعوانه في وقت حجبه.

الحكمة من هيئة النوم

  • جعل الله تعالى – حين غيبة الروح المدبرة – ثلاثة أنفس قائمة:

    1. النفس المخيلة:

      • أشبه شيء بالمرآة، تتخيل كل شكل يواجهها.
    2. النفس الحافظة:

      • تحفظ ما تصوره النفس المخيلة.
    3. النفس الموصلة:

      • توصل ما تحفظه النفس الحافظة إلى الروح المدبرة.
      • عندما ينكشف الحجب عن الروح، تتصرف فيه على ما ترى.
  • لماذا جعل الله النوم بهذه الهيئة؟

    • من لطفه وحكمته، لأن حال اليقظة لا يمكن أن يكون الإنسان على علم بما يحدث في كل وقت.
    • إذ لو كان الحال كذلك، لتساوى الناس بالأنبياء عليهم السلام.

الفصل الثاني: الرؤيا على قسمين - صحيح وفاسد

القسم الأول: الرؤيا الصحيحة

  • ماهيتها: هي الرؤيا التي تكون من اللوح المحفوظ، وهي التي تترتب عليها الأحكام (1).

القسم الثاني: الرؤيا الفاسدة

ما هي الرؤيا الفاسدة؟

  • تعريفها: هي الرؤيا التي لا حكم لها، وتنقسم إلى خمسة أقسام:
  1. حديث النفس:

    • يحدث عندما يُحدّث الإنسان نفسه في اليقظة بشيء، ثم يراه في المنام.
    • يشمل أيضًا ما اعتاد عليه الإنسان.
    • قال المصنف: بدأت بذكر الفاسد لندرته. فإذا عُرف الفاسد، علم أن ما سواه هو الصحيح. وقد ذكر بعض العلماء أقسامًا أخرى كالسحرة وبعث الشياطين، ونحو ذلك، وهذا ليس بصحيح (2).
    • ملاحظة المصنف: ما ذكرته من أقسام الفاسد كافٍ وغير مختلف فيه.
  2. غلبة الدم:

    • يحدث عندما يرى الشخص الحمرة الكثيرة، أو الأشياء المضحكة، أو الملهية.
  3. غلبة الصفراء:

    • يرى الشخص أشياء صفراء كثيرة، أو شموسًا، أو نيرانًا، دون وعي واضح.
  4. غلبة السوداء:

    • يرى الشخص كثرة الدخاخين، أو الخسف، أو السواد، أو ما يشبه ذلك.
  5. غلبة البلغم:

    • يرى الشخص أمطارًا، أو غيومًا، أو مياهًا، أو بياضًا، دون وعي واضح.

تفسير المصنف لزيادة في الرؤى الفاسدة

  • قال المصنف:
    • كل قسم من الأقسام الفاسدة إذا رُؤي ومعه زيادة، فإن كانت الزيادة من نفس جنس الفاسد، فلا حكم لها.
    • أما إذا كانت الزيادة من غير جنس الفاسد، فاترك تفسير الفاسد وركز على تفسير الزيادة (3).

الفصل الثالث في أنواع الرؤيا

أنواع الرؤيا أربعة

النوع الأول: المحمودة ظاهرًا وباطنًا

  • مثال: من يرى أنه يكلم الباري عز وجل، أو أحد الملائكة، أو الأنبياء عليهم السلام، في صفة حسنة أو بكلام طيب. أو من يرى أنه يجمع جواهر أو مآكل طيبة، أو يرى كأنه في أماكن العبادة مطيعًا لربه عز وجل. ونحو ذلك.
  • قال المصنف: لما كانت الرؤيا لا يعرف جيدها من رديئها إلا الخبير بهذا الشأن، فبينت للمعلم أن لا يلتفت إلى ما اعتقدته النفس خيرًا لفرحها به حين الرؤيا، ولا أن ذلك رديء لكونها فزعت منه. بل يعتمد على الذي ينبغي في أصول هذا العلم، على ما بيناه إن شاء الله تعالى (4).

النوع الثاني: محمودة ظاهرًا مذمومة باطنًا

  • أمثلة:
    • سماع الملاهي أو شم الأزهار، فإن ذلك يدل على هموم ونكد.
    • من يرى أنه يتولى منصبًا عاليًا لا يليق به، فهو رديء.
  • قال المصنف:
    • سماع الملاهي غالبًا لذهاب الهموم، وشم الأزهار يكون له طيب الرائحة، لكنه بعد ذلك يكون نكدًا.
    • مثل هذه الأمور تحتاج إلى نفقات وأموال دون ثمرة تعود بالنفع، فتكون غرامة بلا فائدة، مما يجلب النكد.
    • الأزهار غالبًا تطلب لأصحاب الأمراض، ولذلك فهي تحمل دلالة على النكد.
    • كل شيء مرصد لشيء آخر يدل على وجود ذلك، وربما يدل على الفرج في بعض الحالات.

النوع الثالث: المذمومة ظاهرًا وباطنًا

  • أمثلة:
    • من يرى حية لدغته، أو نارًا أحرقته، أو سيلًا أغرقه، أو تهدمت داره، أو تكسرت أشجاره.
    • هذه الرؤى سيئة، ظاهرًا وباطنًا، لدلالتها على الهم والنكد.

النوع الرابع: المذمومة ظاهرًا المحمودة باطنًا

  • أمثلة:

    • من يرى أنه ينكح أمه، أو يذبح ولده.
    • هذه الرؤى تدل على الوفاء بالنذر، والحج إلى أكبر أماكن العبادة، وعلى أنه ينفع أمه، أو يزوج ولده، وعلى مواصلة الأهل والأقارب، وعلى رد الأمانات (5).
  • قال المصنف:

    • لما كان الوطء مواصلة ولذة بعد مودة ومؤانسة غالبًا، فإنه يدل على الإحسان إلى من ذكرنا في موضعه.
    • قد يكون الوطء محرمًا، فيدل على دخول الرائي في أماكن محرمة عليه أو مقامات عالية مثل الكعبة عند المسلمين، والقدس عند اليهود والنصارى، وبيت النيران عند من يعتقده.
    • ذبح الولد يدل على ما ذكرنا قياسًا على قصة الخليل عليه السلام.

الفصل الرابع: الغالب من الرؤيا المليحة أن يتأخر تفسيرها

تأخر تفسير الرؤيا المليحة وتقديم الردية

الغالب من الرؤيا المليحة

  • تأخر تفسيرها: غالبًا ما يتأخر تفسير الرؤيا المليحة. وهذا من كرم الله تعالى، حيث يبشر الإنسان بالخير قبل وقوعه، فتفرح النفس بانتظار وصوله.
  • تقديم التفسير في حالات الضرورة:
    • أحيانًا قد يُقدم تفسير الرؤيا لأمر ضروري يحتاج إليه الرائي.
    • مثال من حيلة البرء لجالينوس:
      • ذكر جالينوس أن رجلًا تورم لسانه حتى ملأ فكيه، ولم يتمكن الأطباء من معالجته.
      • فاستسلم الرجل للموت، ثم رأى في نومه شخصًا قال له: “تمضمض بعصارة الخس”، ففعل ذلك وشُفي.

الغالب من الرؤيا الردية

  • قرب وقت التفسير: غالبًا ما تحدث الرؤيا الردية قريبًا من وقوعها، أو بعد وقوعها؛ لئلا يضيق صدر الرائي قبل ذلك.
  • سؤال الرائي عند رؤيا شر:
    • إذا رأى أحد رؤيا تدل على الشر، يُنصح بسؤاله: “هل جرى لك شيء من الشر مما دل المنام عليه؟”
    • فإذا كان قد جرى له ذلك قبل الرؤيا بقليل، فهو تفسيرها. وإذا لم يكن قد حدث، فسيحدث.

قال المصنف

  • بشارة الله في المنام:
    • قدم الله سبحانه وتعالى البشارة في المنام ليطمئن الخائف، ويأمل اليائس، ويفرح الحزين، ويفرج عن المهموم، ونحو ذلك.
    • لأن الله تعالى إذا وعد بخير، فإن وعده صادق لا يتراجع عن عطائه.
    • أما إذا توعد بالشر، فله أن يعفو أو يصفح.
    • كما قال تعالى: يمحو الله ما يشاء ويثبت.
    • وهذا هو عين الكرم والفضل الذي يليق بجلال الله سبحانه وتعالى.

الفصل الخامس: ربما كانت الرؤيا مختصة بالرائي وحده

وربما كانت الرؤيا مختصة بالرائي وحده

أمثلة على الرؤى التي تخص الرائي فقط

  • من يرى أنه طلع إلى السماء ولم ينزل منها:
    • إذا كان مريضًا: دل ذلك على موته.
    • إذا لم يكن مريضًا: دل ذلك على سفر.
    • إذا كان يصلح للولاية: فقد يتولى منصبًا أو يدخل دور الأكابر.
    • إذا كان من أرباب التهم: قد يدل ذلك على تلصص أو تجسس على الأخبار.

وربما كانت له ولغيره

أمثلة على الرؤى التي تشمل الرائي وغيره

  • من يرى أن نارًا أحرقت داره ودور الناس:
    • تدل على أمراض.
    • أو ظلم من الملك.
    • أو موت.
    • أو عدو.
    • أو فتنة تعم الجميع.

وربما لا تكون لمن رؤيت له

أمثلة على الرؤى التي تخص غير الرائي

  • رؤية شخص أن أباه احترق بالنار:
    • في هذه الحالة، مات الرائي واحتراق أبيه كان بسبب غمه عليه.
  • رؤية شخص أن أمه ماتت:

الفصل السادس: ربما دلت أشياء على شيء واحد

وربما دلت أشياء على شيء واحد

أمثلة على دلالة أشياء مختلفة على نفس الحدث

  • إذا رأى شخص أن الشمس انكسفت، وآخر رأى أن البحر نشف، وآخر رأى أن البلد أو سوره أو موضع عبادته خرب، وآخر رأى جبلاً عظيماً تهدم:
    • فربما دل الجميع على موت كبير، مثل: ملك، أو عالم، أو متولٍّ.
    • ويكون تكرار تلك الرؤى دليلاً على موت أو هلاك من ذكرنا.

وربما دل الشيء الواحد على أشياء مختلفة

أمثلة على دلالة الشيء الواحد على معاني مختلفة

  • الرمانة:
    • للمرضى: من أكل منها، دل على الموت.
    • للملك: تدل على بلده.
    • للعزب: تدل على الزوجة.
    • لمن عنده حامل: تدل على مولود.
    • للتاجر: تدل على عقد مالي.
    • للفقير: تدل على دينار أو درهم.
    • لمن تصلح له المراكب: تدل على مركب.
    • تدل كذلك على: الدابة، والمملوك، والدور؛ لأن حياتها بينهن حائل كالبيوت.

قال المصنف رحمه الله

  • اشتراك الأشياء في وصف واحد:
    • إذا اشتركت أشياء في وصف واحد وتكررت في المنام، فإن الغالب أن يكون الحكم واحدًا في الأشياء الردية.
    • مثلًا: الشمس، والبحر، والخيل، والنار العظيمة، والحجر الكبير، والبناء المعد لنفع الناس، كل منهم يدل على الجليل القدر النافع للناس، والحاكم عليهم.
    • فإذا نزل بمثل هؤلاء آفة في المنام، فالغالب أن ذلك ربما يشير إلى هلاك شخص له صفات مشابهة.
    • أما إذا هلكت جماعة، فهذا يعد خلافًا للعادة.
    • وإذا رؤي فيهم ما يدل على الصلاح، فإن ذلك يدل على راحة تحصل للجميع، وهذا هو المناسب لكرم الله تعالى ولطفه بعباده.

الفصل السابع: المنام الواحد يختلف باختلاف لغتين

المنام الواحد يختلف باختلاف لغتين

تفسير الرؤى باختلاف اللغة

  • السفرجل:
    • لمن يعرف بلغة الفرس: يدل على العز والجمال والراحة، لأنه بلغتهم “بهي”.
    • للعرب ومن يعاشرهم: يدل على السفر والجلاء.
  • رؤية أكل الميتة:
    • لمن يعتقد تحريمها: تدل على مال حرام أو نكد.
    • لمن يعتقد حلها: تدل على رزق وفائدة.

ويختلف باختلاف الزمان

  • الاصطلاء بالنار أو التدفي بالشمس وملابس الشتاء:
    • في الزمن البارد أو لمن مرضه بالبرودة: تدل على الخير والراحة.
    • في الصيف: تدل على الأمراض أو النكد.
  • استعمال الماء الحار:
    • في الشتاء: يعد أمرًا جيدًا.
    • في الصيف: يدل على الأمراض أو النكد.
  • استعمال الرفيع من القماش أو الماء البارد:
    • في الصيف: يدل على الراحة والفائدة.
    • في الشتاء: يدل على العكس، أي النكد.

ويختلف باختلاف الصنائع

  • لبس السلاح أو العدد:
    • للجندي البطال: يدل على الخدمة.
    • للمقاتل: يدل على النصر.
    • للرجل العابد: يدل على بطلان العبادة.
    • لغيرهم: يدل على الفتنة والخصومة.

ويختلف باختلاف الأماكن

  • التعري في الحمام أو في المكان المعتاد فيه:
    • يعتبر جيدًا، لأنه في مكان مألوف.
    • في غيره من مجامع الناس: يعتبر رديئًا وشهرة سيئة، خاصة إن كان مكشوف العورة.

ويختلف باختلاف عادات الناس

  • حلق اللحية أو الرأس:
    • عند من يستحسن ذلك: يعد خيرًا وذهاب نكد.
    • عند من يكرهه: يدل على نكد وخسران.

ويختلف باختلاف المعايش والأرزاق

  • لبس القماش الوسخ أو المرقع أو العتيق:
    • للطباخين والوقادين: يدل على إدرار معايشهم، لأنهم لا يلبسون ذلك إلا وقت معايشهم.
    • لغيرهم: يعتبر رديئًا.
  • لبس النظيف:
    • للطباخين والوقادين: يدل على بطلان معيشتهم، لأنهم لا يلبسونه إلا أوقات البطالة.
    • للآخرين: يدل على رفعة وخير وطيب قلب وثناء جميل.

ويختلف باختلاف الأمراض

  • الحلاوات:
    • لأرباب الأمراض الحارة: تدل على طول مرض ونكد.
    • لأصحاب البرودات: تعد جيدة.
  • الحامض:
    • لأصحاب الأمراض الحارة: يعد جيدًا.
    • لأصحاب البرودات: يعد نكدًا.

ويختلف بالموت والحياة

  • لبس الحرير أو الذهب:
    • لمن لا يليق به من الرجال: يعد مكروهًا.
    • على الميت: دليل على أنه في حرير الجنة.

ويختلف باختلاف الفصول

  • الشجرة في إقبال الزمان: تدل على خير وفائدة مقبلة.
  • ظلها في زمن الحر: يدل على الراحة.
  • الشجرة في غير ذلك: قد تدل على النكد.

قال المصنف

  • تفسير حال الرؤيا باختلاف الزمان:

    • الشيء الواحد يعتبره باختلاف حال رائيه:
      • لبس الرفيع في الشتاء أو لمريض بالبرودة: يدل على نكد.
      • في الصيف: يدل على الراحة.
    • للعزب: يدل على تزويج حسن هين لين.
    • لأرباب البنايات: يشير إلى أماكن حسنة.
    • لأرباب الأسفار: يدل على طريق سهلة.
    • لأرباب الحوائج: يعني تيسير الأمور.
    • لأرباب الخراجات والقروح: يشير إلى عافية.
  • فهم اختلاف الرؤى باختلاف حال الرائي:

    • إذا رأى إنسان رؤيا أو جماعة مختلفو الأحوال، يختلف الحكم باختلاف الحال كما ذكرنا.

تفسير الأشياء المتكررة في المنام

  • إذا اشتركت أشياء في وصف واحد وتكررت في المنام، فإن الغالب أن يكون الحكم واحدًا في الأشياء الردية.
  • يجب اعتبار ألفاظ الناس حسب اصطلاح جنس الرائي:
    • مثلًا: إذا دل البطيخ على النكد بسبب اشتقاقه، فقد يكون دالًا على النكد من محبة وعشرة عند بعض لغة الحجاز، لأنهم يسمونه “حب حب”.

تفسير عادات الناس في الرؤيا

  • حلق الرأس أو اللحية:

    • إذا كانت العادة هي حلق الرأس أو اللحية وقد طالت في اليقظة دون رغبة في إزالتها، فهذا يدل على الخير.
    • إذا كانت العادة هي الحلاقة، ولم يكن مضمرًا بقاء الشعر، فقد يدل ذلك على الدين والهموم والأمراض والكلام الردي.
  • حكم الحلاوات والحامض:

    • كما ذكرنا، الحلو يعد جيدًا، بينما الحامض يعد رديئًا، لأن البشر ينقبضون عند أكله خاليًا عن غيره.
  • الشجرة:

    • في إقبال الزمان تدل على خير وفائدة مقبلة.
    • ظهور الورق في الشجرة يشير إلى فائدة مقبلة لمن يسعى للاستفادة منها.

الفصل الثامن: عادات الناس وأديانهم

وتعتبر عادات الناس وأديانهم

تفسير الرؤى حسب عادات الأديان

  • رؤية أكل الباقلاء الأخضر:

    • عند الصابئة: يدل على مال حرام ونكد، لأنه محرم عليهم.
    • المجوس يحرمون لحوم البقر.
    • اليهود يحرمون لحوم الجزور.
    • بعض اليونان يحرمون لحوم الدجاج.
    • المسلمون يحرمون الخمر.
    • بناءً على ذلك، تكون الرؤية إشارة إلى شيء حرام عند من يحرمها، وأرزاق وفوائد عند من يحلها.
  • رؤية المرأة لنفسها تزني:

    • إذا رأت المرأة أنها تزني والناس ينظرون إليها، فهي إشارة إلى شهرة سيئة ونكد.
    • إذا كانت المرأة في الهند، فذلك قد يدل على أنها تتقرب، وتشتهر بعبادة وبر، ويكون لها ثناء حسن، لأنهم يتقربون إلى الله بالزنا، جل الله تعالى عن ذلك.
  • رؤية المجوسي للنار:

    • إذا رأى أحد المجوس أنه أوقد نارًا، أو أزال عنها الأذى، أو سجد لها، فهذا يعد عندهم أمرًا جيدًا وفائدة وعبادة.
    • كذلك، فإن عبدة الشمس إذا رأوا الشمس في صفة حسنة، يعتبرونه أمرًا جيدًا.

وأما إن نزلت بأحدهم آفة

  • إذا نزلت آفة بأحد من أصحاب الديانات، فإن ذلك يدل على نقصان يقع في دينهم أو بلادهم.
  • ينطبق هذا الحكم على كل من يعبد شيئًا، سواء كان في السماء أو في الأرض أو يعظمه.
  • فإذا حدث لهم نقصان، فقد يشير ذلك إلى حدوث أمر سيء في دينهم أو في بلادهم.

قال المصنف

  • الباقلاء الأخضر والصابئة:

    • تحرمه الصابئة لأن من يعظمونه كان يقول: “مبدأي من نواره، وقوتي من أخضره، ويابسه مباح لكم”.
    • جميع أهل الأديان وضعوا عادات لأتباعهم لضبطهم ومنعهم من الخروج عن شرعهم، فصارت هذه العادات بمثابة الدين المشروع عندهم.
  • سبب ذكر هذه العادات:

    • ذكرت ذلك لتوضيح أن ما يعتبر محرمًا أو بدعة عند بعض الأديان ليس بالضرورة محرّمًا في الشرع الإسلامي.
    • الهدف هو عدم إهمال أهمية الأحكام في تفسير الرؤيا بناءً على هذه العادات.
  • عادات الهنود:

    • الهنود اتخذوا بيوتًا يسمونها “الُبد”، حيث يبني الشخص مكانًا إذا كان لديه مال، ويخصص عليه جواري يمدحونه في أوقات محددة بما كان يفعل.
    • عبادهم يقصدون هذه الأماكن ليترحموا على صاحبها.
    • لذلك يُعتبر العابد الذي يزني مع أي من تلك الجواري التي اختارها، كأنه يقصد إيصال الثواب لتلك الجارية، فيكون ذلك غير منكور عندهم.
  • عبادة الشمس والنار:

    • بسبب تعظيمهم للشمس والنار بالسجود لها ولسائر الأنوار، اعتقد الجهال أنها آلهة، وصار حكمهم في ذلك كحكم الدين.
    • لذلك، فإن أي خير أو شر يحدث لهم يعود تأثيره على دينهم.

فاعرف ذلك، إن شاء الله تعالى.


الفصل التاسع: ربما رأى إنسان لنفسه ما يدل على الخير

تفسير عودة حكم الرؤيا على الأقارب والأصدقاء

الرؤيا وتأثيرها على المحيطين

  • رؤية الخير للرائي: إذا رأى الإنسان لنفسه ما يدل على الخير، فقد يعود حكم هذا الخير إلى أقاربه وأصحابه الذين يفرحون لفرحه ويغتمون لغمه.
    • وفي المقابل، يكون هذا الخير شرًا ونكدًا لعدوه؛ لأن العدو يغتم بخير الرائي ويفرح بنكده.
  • رؤية النكد للرائي: إذا رأى الإنسان لنفسه ما يدل على النكد، فقد يعود حكم هذا النكد إلى أقاربه وأصحابه، ويكون ذلك خيرًا وراحة لعدوه.
  • رؤية الشر للعدو: إذا رأى في المنام أمرًا رديئًا لعدوه، فإن ذلك يعود على الرائي بفائدة وراحة.
    • وإذا رأى العدو ما يدل على الخير، فقد يحصل للرائي نكد؛ لأن الإنسان يتنكد براحة عدوه.

قال المصنف

لما أن اشترك الرائي مع أهله ومحبيه في الخير والشر، صاروا كالشيء الواحد. كذلك يكون صديق العدو ومحبه كالعدو.

كيفية معرفة حكم الرؤيا على المحيطين

  • مثال توضيحي:

    • إذا قال لك الرائي: “كان علي ملبوس حسن من حرير يليق به”، فتفسره كالتالي:
      • للعزب: زواج.
      • للفقير: راحة.
      • للغني: من جليل القدر.
      • فائدة: من أصحاب وأهل مشتملين على الرائي.
    • ثم تقول: يحصل لعدوك نكد.
      • إن كان من عمل إقليم مخصوص، تقول: “رجل من ذلك الإقليم أو تاجر يأتي من ذلك المكان، أو من أجل تجارة”.
      • وإن جعلت ذلك امرأة، تقول: “نكد من امرأة، أو من معارفك، أو من خدمك، أو من جليل القدر، ونحو ذلك؛ لأن العدو يتألم إذا رأى عليك ما يحسدك عليه”.
    • أو تقول: يحصل لمعارفه كذلك.
  • تفسير العلامات في الرؤيا:

    • إذا قيل: ما العلامات في المنام؟
    • إذا قال: كان طوق الفرجية فيه عيب، فقل: “في وجهه أو رأسه علامة”.
    • وإن قال: “في الكم”، تكون العلامة في يده.
    • وفي الصدر: تكون العلامة في فؤاده.
    • ومن ورائه: يكون الألم في عرضه، أو عيب في ظهره.
  • تأثير صفات العدو على التأويل:

    • إن كان العدو في صفة لا تهون على الرائي، حصل للرائي من النكد ما ذكرناه.
    • أما إذا كان العدو في صفة رديئة، فاحكم كما ذكرنا.

أهمية هذا الفصل

هذا فصل مليح جدًا، فاعمل على ما شرحت لك، فهو من غريب التفسير، لم يُسبق إليه أحد، ولم يشرحه أحد كذلك غيري، من فضل الله تعالى وكرمه.


الفصل العاشر:المنام الواحد ربما كان للرائي وحده. وربما كان لمن يحكم عليه

المنام الواحد وربما كان للرائي وحده

تفسير منام الرائي ومن يحكم عليه

  • المنام الواحد: قد يكون خاصًا بالرائي وحده، أو يمتد تأثيره لمن يرتبط به كالأولاد، والأزواج، والعبيد، والشركاء؛ وذلك لاشتراكهم في الخير والشر غالبًا.
  • الحكم لجماعة مرتبطة: كذلك ينطبق الحكم على كل جماعة يشتركون في معاشهم أو كسبهم في جهة واحدة أو مكان واحد، مثل:
    • أرباب المدارس.
    • أرباب الخوانك (الزوايا).
    • أرباب الزوايا.
    • ونحوهم.
  • فإذا أصاب أحدهم من خير أو شر، فقد يعود الأثر على الجميع.

قال المصنف

لما اشترك من ذكرناهم في الفائدة والراحة على ما ذكرناه، صاروا كأنهم كالرجل الواحد في غالب الأحوال.

  • تفسير منام الشخص المرتبط بجماعة:
    • فإذا رأى أحد منهم منامًا، أعطه من الخير والشر ما يليق به في نفسه، وأمواله، وأولاده، وملازمًا.
    • إن لم تجد لذلك وجهًا، فاردد التأويل إلى الجماعة المشتركين في المكسب والراحة على ما ذكرنا.
    • قد يحتمل التفسير أن يكون للرائي، ولأولاده، ولأمواله، ولمن يلزمهم، ولمن هو شريك معهم في الفائدة.

فافهم ذلك إن شاء الله تعالى.


الفصل الحادي عشر:اعتبر الاشتقاق في الأسماء

واعتبر الاشتقاق في الأسماء

أمثلة على الاشتقاق في الأسماء

  • السوسة: تدل على السوء والسيئة.
  • الرياحين:
    • إذا أكلها العالم: تدل على الرياء.
    • للمريض: تدل على الخير.
  • النارنج: إذا رآها الخائف، قيل له: “النار”، فاطلب النجاة لنفسك.
  • النمام: يدل على النميمة.
  • الياسمين: إذا رآه من يطلب حاجة، دل على الإياس والمين الذي هو الكذب.
  • الفرجية: تدل على الفرج والرجّية.
  • رؤية الفرج: لمن هو في شدة، تدل على الفرح والسرور.
  • لبس الحصير أو الجلوس عليه، لمن لا يليق به ذلك، وأكل الحصرم: يدل على الحسرة، والحصر، والحصار، وما شابه ذلك.

قال المصنف

ربما أخفى الله تعالى الحكم مضمرًا في الاشتقاق، وهو من أصول الرؤيا.

أنواع الاشتقاق

1. اشتقاق من جميع الكلمة

  • عصا: كمن معه عصا وهو يؤذي الناس بها بغير حق، فتقول: “هذا الرجل عاصٍ”، لكونه عصى بإساءته بغير حق.
  • دواة لمريض: إذا قدمت لمريض دواة، فيقال: “جاءته العافية”، لأن دواءه قد جاءه.

2. اشتقاق من بعض الكلمة

  • غمامة على العين: كما قال لي إنسان كأنه وقع على عيني غمامة بيضاء. فقلت: “يقع بعينيك عمى”، وربما يكون من بياض فكان كما قلت. لأن الغمامة بعضها عما وأسقطنا الباقي.

3. اشتقاقان في كلمة واحدة

  • فرجية: تدل على الفرج من شدة، وعلى أمر ترجوه يتحقق لك على قدر الفرجية، بما يليق به.

4. الاشتقاق بالتصحيف

  • سرقة برغيف: كما قال شخص ظاهره رديء: “رأيت أنني سرقت برغيف، وأكلته في فرد لقمة، حتى كدت أموت”. فقلت له: “يحصل لك نكد لأجل سرقة”، فكان كما قلت.

الفصل الثاني عشر: اعتبر المعكوس

واعتبر المعكوس

أمثلة على المعكوس

  • اللوز للمتولي أو لمن هو في شدة: يدل على زوال الشدة، لأن عكسه “زَوْل”.
  • نجم: عكسه “مجن”.
  • درهم: عكسه “هم در”.
  • قباء: عكسه “أِبق”.

أمثلة على تفسير الرؤى بالمعكوس

  • رؤية العسل: كما قال لي إنسان: وقع على رجلي عسل فأحرقها، فقلت له: تتلف رجلك بلسع.
  • رؤية أكل لحم من خمر: كما قال آخر: رأيت كأني آكل لحمًا من خمر، وأنا في غاية ما يكون من الجوع، فقلت له: تحتاج فتأكل لحم رخم.
  • رؤية الوقوع في الجب: كما قال آخر: رأيت كأنني وقعت في الجب المعمول للسبح، فقلت له: ربما تقع في جب حبس.
  • رؤية شراء دلو: كما قال آخر: كأنني اشتريت دلوًا، فقلت له: ترزق ولدًا. فكان الجميع كما قلت، بحمد الله تعالى.

وعلى هذا فقس.

قال المصنف:

قد ذكرنا الاشتقاق من أول الكلمة إلى أن ذكرنا في هذا الفصل عكسًا من آخر الكلمة بالكتابة إلى أولها.

أمثلة توضيحية للمصنف

  • رؤية قطعة ليف تؤلم اليد: كما قال لي إنسان: رأيت كأن قطعة ليف من ليف النخل قد أدمت يدي، قلت له: نخشى عليك من الفيل. فما مضى قليل حتى ضربه الفيل ضربة كاد يهلك منها.
  • رؤية جمع الحبر من البحر: ورأى آخر كأنه يجمع حبرًا من بحر في وعاء، فقلت له: يحصل لك ربح من جليل القدر، وربما يكون يعرف الكتابة.
  • رؤية الوداع: وقال آخر: رأيت كأني أودع أقوامًا، وهم الآن غياب، قلت له: أبشر قد قرب مجيئهم؛ لأن عكس الوداع “عادوا”. فذكر أنهم وصلوا عقيب ما ذكرته.

فافهم جميع ما ذكرت في الاشتقاق طردًا وعكسًا موفقًا إن شاء الله تعالى.


الفصل الثالث عشر: المعكوس الخفي

تفسير المعكوس الخفي

البحر والنار

  • البحر يدل على النار، والنار تدل على البحر:

    • إذا رأى الإنسان كأنه دخل النار: ربما يعني أنه سبح في البحر.
    • إذا احترق في النار: فقد يعني أنه غرق.
    • إذا مشى على الصراط: فقد يعني أنه ركب في مركب.
  • قصة تفسير رؤية الماء والنار:

    • كما قال لي إنسان: رأيت كأن رجلي تلفت بماء البحر، فقلت له: نخشى عليها حريقًا. فكان كما قلت.
    • ورأى آخر كأنه يحتجم، فقلت له: يُكتب مكتوب لأجل مال.
    • وكما قال آخر: رأيت كأني أكتب على بدني، فقلت: تحتجم. فكان كما ذكرت.

المشتري والبائع

  • المشتري: بائع، والبائع: مشتري:
    • المشتري يشير إلى ما خرج من يده، والبائع يشير إلى ما دخل إليها.

قال المصنف

لما أن دل البحر على الجليل القدر ودل على الرجل النافع، وكذلك النار دلّت على قاطع الطريق والمؤذي، قام كل واحد مقام الآخر في الحكم. فإذا رأى أحد أن البحر آذاه أو أغرقه وكان الرائي في مكان لا بحر فيه، كأكثر أرض الشام والحجاز ونحو ذلك، تكلمنا عليه بحسب ما يليق به، ثم نقول: وربما يحترق لك شيء.

  • سبب قيام البحر مقام النار:

    • لأنه عندما يغيب البحر، تقوم النار مقامه لكونها عامة في موضع عدم فيه الماء، لما ذكرنا من اشتراكهما في تلك الأحكام.
  • تشبيه الحجامة بالكتابة:

    • لأن الحجام يمسك بأنامله ويجعل الجرح سطورًا، ويبقي الدم يجري كالمداد، فأشبه الكاتب في ذلك، فقام كل واحد منهما مقام الآخر.
    • هذا النوع من التأويل هو معكوس في الحكم وخفي، لقلة استعمال الناس له، بل لعدم معرفة أكثرهم له.

افهم ذلك إن شاء الله تعالى.


الفصل الرابع عشر: رب صنعة،أوشيئا من عدته

تفسير رؤية أصحاب الصنعات وأدواتهم في المنام

الرؤيا واحتياج الرائي للصانع أو أدواته

من رأى رب صنعة أو شيئًا من عدته، فذلك يشير إلى أن الرائي قد يحتاج إليه، أو إلى مثله، لأمر ينزل به.

  • مثال الفقيه: كمن يرى أن عنده فقيهًا أو كتاب فقه، فقد يدل ذلك على:

    • تعلم العلم.
    • الحاجة إلى فتوى.
    • الحاجة إلى حكم قضائي.
    • الحاجة إلى عقد نكاح.
  • مثال الطبيب:

    • للمريض: رؤية الطبيب تدل على العافية.
    • للمتعافي: تدل على احتمال حدوث مرض يحتاج فيه إلى طبيب.
  • مثال البيطار:

    • يدل على الحاجة إلى التعامل مع أرباب الجهل.
    • أو وقوع حادث بدواب الرائي يحتاج فيه إلى البيطار.
  • مثال الجرائحي أو أدواته:

    • قد تدل على ألم يصيب الرائي يحتاج فيه إلى الجراح.
    • رؤية المجبر قد تشير إلى الحاجة إليه في حال حدوث كسر.

قصة جالينوس

كما حكى جالينوس أن إنسانًا رأى فاصدًا يفصده في العرق الذي بين الخنصر والبنصر من الرجل اليسرى، فقال له الرائي: لم فعلت هذا؟ قال: لأنه ينفع الورم الذي بين الحجاب والكبد. قال: فما مضى على الرائي قليل إلا وقع به ذلك المرض، وعجز الأطباء عن مداواته. فلما ذكر المنام وافتصد، برئ.

هذه الرؤيا كانت بشارة بالعافية من مرض شديد لم يكن قد حدث بعد، ولم تكن الأطباء تعرفه قبل أن يكشف الله تعالى له ذلك في المنام.

المنامات كعلامة خير أو تحذير

  • المنام الثاني: بشارة بخير دون إنذار بشدة أو ألم، فإذا ورد عليك المنام فاعتبر الأحوال كما ذكرناها موفقًا إن شاء الله.

أمثلة أخرى على تفسير الرؤى

  • رؤية الزراعة: من رأى أنه أعطي حديدة لشق الأرض كالسكة، فإنه قد يصبح زراعًا ويستفيد من ذلك.
  • رؤية الكحال: من رأى كحالًا عنده فضاعت مكحلته، فقد يدل ذلك على وقوع رمد في عينه وزوال بصره، إذ ضياع المكحلة التي تبرئ العين كان دليلًا على تلف عينه.
  • رؤية الكفن أو المغسل للمريض: من رأى كفنًا أو مغسلاً يأتيه، فقد يدل ذلك على الموت. وعلى هذا فقس الأمور الأخرى.

توجيهات المصنف

  • رمزية الصانع والصنعة في المنام:
    • بما أن الصانع يُعرف بما يعمله من الصنعة والأدوات التي يستخدمها، فإن رؤيته في المنام قد تشير إلى حادث يحدث للرائي إذا لم يكن بحاجة إليه في اليقظة.
    • إذا كان الصانع يعمل الصنعة بشكل صحيح وأدواته جيدة، دل ذلك على حسن العاقبة.
    • أما إن رأى ذلك وهو بحاجة لمثله في اليقظة، دل على تحقيق مراده وسرعة زوال شدته.
    • أما إذا كانت العدة أو الصانع رديئًا، دل ذلك على تأخير تحقيق ما يحتاج إليه بسبب سوء جودة ما يستخدم.

والله تعالى أعلم.

خاتمة

قد ذكرنا الفصول المقصودة معرفتها قبل الأبواب، ونحن الآن نذكر الأبواب إلى آخر الكتاب، إن شاء الله تعالى.


(1) يقصد المصنف الرؤيا التي تكون وحيًا من الله عز وجل، إذ أن الرؤيا الصادقة جزء من النبوة لقول النبي صلى الله عليه وسلم - فيما أخرجه البخاري -: “الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة”، ولقوله صلى الله عليه وسلم: “لم يبق إلا المبشرات” أي الرؤى الصالحة.

(2) نفي المصنف صحة ذلك يستدعي النظر، إذ أن الصواب أن الرؤيا التي تكون بعثًا من السحرة، أو رؤيا شيطان، لا حكم لها لكذبها، ولأنها في الأصل تكون لتخويف الرائي وتقنيطه وحثه على الشر والفساد، لذا وجب إلحاقها بالقسم الفاسد.

(3) إذ يمكن للرائي أن يرى جزءًا صالحًا ثم تتدخل عليه أضغاث الأحلام، أو يتلاعب الشيطان به في بقية الرؤيا لإفسادها عليه. حينئذ ينبغي تأويل الجانب الصالح فقط، مع الانتباه إلى وجوب عدم التسرع في الجزم بكون الرؤيا فاسدة المعنى والرموز لعدم العلم بمعانيها، كما فعل خلصاء العزيز في قصة يوسف عليه السلام عندما قالوا: (أضغاث أحلام) وكانت الرؤيا صالحة المعاني، وشاء الله تحققها.

(4) يمكن أن يكون الإنسان محبًا للهو والأفراح، مع أنها سيئة الدلالة، فالتفسير لا يتوقف على حب النفس أو بغضها. قد يكون ذلك صحيحًا في بعض الأحيان، لكنه لا يأخذ حكم الغالب.

(5) قد يكون ذبح الولد دليلاً على العقوق في أحيان أخرى، وذلك يعتمد على قرائن الرؤيا الأخرى، إذ أن الرؤيا لا يجب أن تُؤول منفصلة الرموز، بل تُؤول بانضمام كل رمز إلى الآخر.

(6) ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عن الرؤيا المليحة إنها من المبشرات، والبشارة لا تكون إلا بشيء مستقبلي.

(7) وذلك خاضع لقرائن الرؤيا كما أشرنا سابقًا، فقد توجد في الرؤيا رموز تدل على الإيمان، وأخرى تدل على النفاق، فيحمل التفسير على حالة الرائي وصلاحه أو فساده، أو على غالب رموز الرؤيا.

(8) وكمن كانت عادته لبس السواد فإنه يدل له على الرفعة والعلو، وتحسن أمور معايشه. والنقيض لمن لم يكن معتادًا على لبسه في اليقظة، إذ يدل على الهموم والأحزان والأوجاع.

(9) وهذا باب آخر عظيم من أبواب الرؤيا، وهو رد الرؤيا إلى غير رائيها. ومن أمثلة ذلك أن يرى غلامًا صغيرًا ما يدل على الزواج، فيفسر إلى أقرب أهله كأخيه أو أخته، أو قريب حميم له، ولا ينبغي الإسراع بالقول إن ذلك دال على الوفاة كما يظن بعض الناس.

(10) وهذا باب هام في الرؤيا، ويجب أن تلجأ إليه إن استغلقت عليك رموز الرؤيا، أو وجدت أسماء لا مدخل لها في الرؤيا.

(11) وهذا النوع يحتاج إلى معرفة كبيرة بنصوص الشرع، ورموز النصوص، واستعارات الكتاب والسنة.